صالح
( وقومه ثمود )
هو عبدالله ورسوله: صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن أدم بن نوح، ينتمي إلى قبيلة "ثمود" ، وكانت هذه القبيلة عرباً من العاربة: (الخالصة الصريحة التي جدها يعرب بن قحطان، رأس اليمن كلهم)، تسكن الحجر الذي بين الحجاز وتبوك، ظهرت بعد عاد قوم هود، وكانت على شاكلتها تعبد الأصنام، فبعث الله إليهم "صالحاً"u وهو منهم كما قدمنا، يعرفون نسبه، وفضله، فدعاهم إلى عبادة الله وحده، وأن يخلعوا الأصنام ، فطلبوا منه آيةً معينة تدل على صدقه فيما جاءهم به قائلين" إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة – وأشارواإلى صخرة هناك – ناقة ، من صفتها كيت وكيت، وذكروا أوصافاً سموها، ونعتوها، وتعنتوا فيها، وأن تكون عشراء طويلة، من صفتها كذا: آمنا بما جئت به وصدقناك فيما أرسلت به ، فقال لهم: أرأيتم أن أجبتم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم، أتؤمنون بما جئتكم به، وتصدقوني فيما أرسلت به ؟ قالوا: نعم، فأخذ عليهم العهد، والميثاق بذلك، ثمَّ توجه إلى ربه بالطاعة والدعاء أن يجيبهم إلى ما طلبوا. فأمر الله –عز وجل – الصخرة التي أشاروا إليها أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء، على الوجه المطلوب الذي طلبوا، أو على الصفة التي نعتوا.
فلما عاينوها كذلك رأوا أمراً عظيماً، ومنظراً هائلاً وقدرة باهرة، ودليلاً قاطعاً، وبرهاناً ساطعاً، فآمن كثير منهم، وظل أكثرهم على كفرهم، وضلالهم وعنادهم وأغراهم بذلك أشرافهم وساداتهم، بل لقد بلغت بهم الحال أن ضاقوا ذرعاً بالناقة لأنها تقاسمهم الماء، فلها يوم، ولهم يوم، وعزموا على عقرها كي يستريحوا منها، ويتوفر عليهم ماؤهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم ، وكان الذي حسن لهم ذلك، أشقاهم ورئيسهم قدار بن سالف بن جندع، مع ثمانية آخرين على شاكلته، وانطلقوا يرصدون الناقة، وقد خوفهم صالح uمن عاقبة عقر الناقة فلم ينزجروا، وعقروها، فأمهلهم ثلاثة أيام، غير يومهم ذلك، فلم يصدقوا أيضاً في هذا الوعد الأكيد، بل لما أمسوا هموا بقتله، وأرادوا – فيما يزعمون –أن يلحقوه بالناقة، فحلفوا بالله: أن يحبسنه في داره مع أهله، فيقتلنه، ثمَّ يجحدن قتله، وينكرون ذلك إن طالب أولياؤه بدمه، بيتوا ذلك، وبيت الله بهم، فأرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صالح uحجارة رضختهم فأهلكوا سلفاً، وتعجيلاً قبل قومهم، وأصبحت ثمود في اليوم الأول من أيام النظرة، ووجوههم مصفرة، فلما أمسوا نادوا بأجمعهم: ألا قد مضى اليوم الأول من الأجل، ثمَّ أصبحوا في اليوم الثاني ووجوههم محمرة، فلما أمسوا نادوا: ألا قد مضى يومان من الأجل، ثمَّ أصبحوا في اليوم الثالث ووجوههم مسودة، فلما أمسوا نادوا: ألا قد مضى الأجل وفي صبيحة يوم العذاب تحنطوا، وتأهبوا، وقعدوا ينتظرون ماذا يحل بهم من العذاب، والنكال، والنقمة، لا يدرون كيف يفعل بهم، ولا من أي جهة يأتيهم العذاب فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح، وزهقت النفوس، فأصبحوا في دارهم جاثمين إِلاَّ رجلاً منهم – وهو أبو رغال –كان في الحرم، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه، وخاطب صالح u قومه بعد هلاكهم، وقد أخذ في الذهاب عن محلتهم إلى غيرها قائلاً لهم ..
}يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم{([1]).
جهدت في هدايتكم، بكل ما أمكنني ، وحرصت على ذلك بقولي، وعملي، ونيتي ..
}ولكن لا تحبون الناصحين{([2])، لم تكن سجاياكم تقبل الحق، ولا تريده، فلهذا صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب الأليم، المستمر إلى الأبد، وقيل أن صالحاً uانتقل إلى حرم اله، فأقام به حتى مات.
وقد ورد اسمه صريحاً من القرآن ثماني مرات، وذكرت قصته مع قومه في كلٍ من سورة الأعراف الآيات (73 : 79) ، وسورة التوبة الآية (70)، وسورة هود الآيات
(61 : 67)، وسورة إبراهيم الآية (9)، وسورة الحجر الآيات (80 : 84)، وسورة الإسراء الآية (59)، وسورة الحج الآية (42)، وسورة الفرقان الآية (38)، وسورة الشعراء الآيات (141 : 159)، وسورة النمل الآيات (45 : 53)، وسورة العنكبوت الآية (38)، وسورة ص الآية (13)، وسورة فصلت الآية (17)، وسورة ق الآية (12)، وسورة الذاريات الآيات (43 : 45)، وسورة النجم الآية (51)، وسورة القمر الآيات (23 : 32)، وسورة الحاقة الآيتان (4 ، 5)، وسورة البروج الآية (18)، وسورة الفجر الآية (9)، وسورة الشمس الآيات (11 : 15)، ولا جرم أن نلفت النظر إلى أمور تتعلق بصالح مع قومه، وأهمها:
[1]أن الله حين أرسل صالحاً u إلى ثمود الزمهم الحجة، وأزال عذرهم فقال: }وأما ثمود فهديناهم{([3])، بينا لهم سبيل الخير والشر، أو دعوناهم، أو دللناهم على مذهب الخير (زاد المسير)، وتلك سنته سبحانه مع جميع خلقه إذ يقول:
}وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً{([4]).
[2]وأن صالحاً uبدأ دعوته لثمود بداية صحيحة حيث أمسك بأساس الداء ألا وهو شركهم بالله شرك ألوهية وعبادة، وهو أخطر ألوان الشرك، إذ ما فائدة الإقرار لله بالربوبية، ثمَّ إشراك غيره معه في الطاعة والعبادة، قال تعالى:
}وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره{([5]).
وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب{([6]).
}كذبت ثمود المرسلين !إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون !إني لكم رسول أمين{([7])، وقال: }ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون{([8]).
[3]وأن صالحا استخدم النعمة التي يراها ويلمسها هؤلاء لتكون إحدى وسائل التأثير عليهم، إذ ما يليق بالعبد أن يأكل نعمة الله ثمَّ يستخدم هذه العمة في معصية الله، قال تعالى:
}والى ثمود أخاهم صالحا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها، فاستغفروه ثمَّ توبوا إليه إن ربي قريب مجيب{([9]).
ونظيره في قال تعالى: }أتتركون في ما ها هنا آمنين !في جنات وعيون !وزروع ونخل طلعها هضيم !وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين{([10]).
[4]وأن قومه ردوا عليه ردا منكراً، إذ رفضوا تصديقه ودعوته زاعمين - كغيرهم ممن سبقوهم - أنه بشر مثلهم، وما كان الله ليرسل بشرا إلى خلقه، ولئن أرسل الله يشرا، فلم كنت أنت بالذات من دوننا، كان الأمر منشؤه الحقد والحسد، على أن دعوتك فيها خروج على أعراف الآباء والأجداد، قال تعالى:
}ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب !قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين{([11]).
}كذبت ثمود بالنذر !فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر! أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر{([12]).
}قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب{([13]).
[5]وأن صالحاً uأجابهم بأنه أمين فيما أبلغهم من رسالة ربه غير متهم بدليل أنه لا يسألهم أجراً فيما يبلغهم من أمر ربه، على أن ما خصه به الله من النبوة والرسالة محض فضل ورحمة وهو سبحانه فعال لما يريد، وكيف يليق به والحال هذه أن يخالف أمر الله، وأن يعصيه بموافقتهم على باطلهم، وهو سبحانه الملك لكل شيء، قال تعالى على لسان صالح:
}إني لكم رسول أمين !فاتقوا الله وأطيعوني !وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين{([14]).
}قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير{([15]).
[6]وأن ثمود حين طلبوا الآية كشرط للإيمان لم يكونوا جادين حيث جاءتهم الآية فكفروا بها، قال تعالى:
}وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا{([16])
[7]وأن صالحاً uوهو يدعو قومه لفت النظر إلى سببين من أسباب ضياع الإنسان وهما التقليد والإسراف فقال لهم:
}فاتقوا الله وأطيعون !ولا تطيعوا أمر المسرفين !الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون{([17])
كما لفت النظر إلى عامل مهم من عوامل النجاة والدخول في رحمة الله، ألا وهو التوبة والاستغفار فقال:
}وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب{([18]).
}قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون{([19]).
[8]وأن ثمود صنعوا في التآمر على صالح uبعد قتل الناقة ما يصنعه الطغاة في كل عصر ومصر، حيث ينفذون جريمتهم بعيداً عن أعين الناس ظانين أن الله لا يسمع ولا يرى، ثمَّ يتذرعون بالنفي، وأنهم أبرياء من كل ما نسب اليهم، قال تعالى:
}وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون !قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون{([20]).
[9]وأن الله لا يغيب عنه كيد ومكر الظالمين، وقد يمهلهم كثيراً ولكن إذا بلغت الأمور حد القضاء على القائم لله بالحجة يأخذ هؤلاء أخذ عزيزٍ مقتدر، كما صنع مع ثمود حين تآمروا على قتل صالح بعد عقر الناقة، قال تعالى:
}ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون !فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين! فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون{([21]).
[10]وأن الله حين يفعل ما يفعل من عقاب أو انتقام لمستحقيه لا يخاف من أحد أبداً، فقد أخذ ثمود في قوة لا خوف معها ولا وجل، قال تعالى:
}فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها !ولا يخاف عقباها{([22]).
لا يخاف الله من أحد تبعة في إهلاكهم، ولا يخشى عقبى ما صنع، وقيل: أن الذي عقر الناقة لم يخف عقبى ما صنع، وقل أن نبي الله صالح لم يخف عقباها، والأولى أولى لدلالة السياق عليه كما قال ابن كثير. ([23])
[11]كثيراً ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد قوم هود ، وثمود قوم صالح ، وقد قيل هاتين الأمتين، لا يعرف أهل الكتاب خبرهما،/ وليس لهما ذكر في كتابهم التوراة ولكن القرآن الكريم ذكر أن موسى اخبر عنهما كما قال سبحانه:
}وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد! ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب{([24]).
وإذا ذكر القرآن الكريم ذلك كان ما ذكره صدقاً ويقيناً، ولعل كون هاتين من العرب هو السبب في عدم عناية أهل الكتاب بضبط وحفظ خبرهما جيداً، وإن كان خبرهما كان مشهوراً في زمن موسى . ([25])
([1]) سورة الأعراف – الآية (79) .
([2]) سورة الأعراف– الآية (79) .
([3]) سورة فصلت – الآية (17) .
([4]) سورة الإسراء – الآية (15) .
([5]) سورة الأعراف – الآية (73) .
([6]) سورة هود – الآية (61) .
([7]) سورة الشعراء – الآيات (141 : 143) .
([8]) سورة النمل – الآية (45) .
([9]) سورة هود – الآية (61) .
([10]) سورة الشعراء – الآيات (146 : 149) .
([11]) سورة إبراهيم – الآيتان (9 ، 10) .
([12]) سورة القمر – الآيات (23 : 25) .
([13]) سورة هود – الآية (62) .
([14]) سورة الشعراء – الآية (143 : 145) .
([15]) سورة هود – الآية (63) .
([16]) سورة الإسراء – الآية (59) .
([17]) سورة الشعراء – الآيات (150 : 152) .
([18]) سورة هود– الآية (61) .
([19]) سورة النمل – الآية (46) .
([20]) سورة النمل – الآية (48 ، 49) .
([21]) سورة النمل – الآية (50 : 52) .
([22]) سورة الشمس – الآيتان (14 ، 15) .
([23]) زاد المسير لابن الجوزي، تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
([24]) سورة إبراهيم – الآيتان (8 ، 9) .
([25]) قصص الأنبياء – تفسير القرآن العظيم كلاهما لابن كثير .